لهجة الخطاب العراقي

لهجة الخطاب العراقي

كيف يخاطب العراقيون العالم؟ أو في الحقيقة كيف ينظر العراقيون الى العالم؟ إن معنى الخطاب، هو معنى أن تكون لك نظرة ما محددة للعالم، وإلاّ ليس من خطاب يصل ولا من نظرة ترى. فالعراقيون، وهم يخوضون حرباً داميةً ضدَّ من يريد أن يقسّم العراق تبعاً للهجات تشكل بها اجتماعياً ولسانياً، يملكون خطاباَ ونظرة محددة للعالم، والعرف الدولي للخطابات السياسية والثقافية، ان العالم يستمع للخطاب بوضوح اللهجة المصرح بها، وبالنظرة التشخيصية، فاللهّجة الاجتماعية التي تطرح الأمور بعقلانية ودقة، هي ما يجب التعامل بها.

والعالم يكره أن يستمع لقضية ما، تقال بخطاب ورؤى لهجاتها مختلفة. لا لأن كلَّ خطاب ينطق بلهجة اجتماعية محددة، إنما تضيع حقيقة أي خطاب في نبراته المختلفة، فكما في القانون، يكون في السياسة. لا يصح للخطاب إلا اللهّجة التي تكون قاسماً مشتركاً بين اللهجات الاجتماعية العراقية كلها، وهذا ما يجب كسياسيين ومثقفين الانتباه إليه، ليس ذلك مدعاة لإلغاء الفروق بين اللهجات والرؤى العراقية للعالم، وبالتالي الحقوق، إنما لأن الأمة في مراحل انعطافاتها الكبيرة، لابد لها من لهجة خطاب مستقرة، واضحة، ومشتركة بين اللهجات، كي تخاطب العالم بصوتها الجماعي.

تكشف اللسانيات عن مستويات عديدة للهجات الاجتماعية المحلية، فكيف الأمر مع شعب مؤلف من قوميات واثنيات عديدة مثل شعبنا؟. بالطبع ستكون لكل إثنية لغتها وستكون لكل فئة منه تسكن منطقة ما لهجتها. ربما يعود هذا الكشف للتعددية الإلقائية والصوتية لأية كلمة من كلماتها، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون ثمة قاسم مشترك للخطاب يوحّد اللهجات الاجتماعية ويفعّلُها. سنقول بداية، أن مجتمعاً مثل المجتمع العراقي يتكون من أثنيات بلغات متعددة، وسيكون من باب القول أن كل اثنية تتكلم بلهجتها الاجتماعية ضمن اللغة الواسعة، وكل منطقة من مناطق هذه الاثنية تتكلم بلهجة أخص بها من لهجتها الاثنية، ولك أن تتوسع في دلالة تعدد اللهجات الاجتماعية، أي تعدد الخطابات والرؤى الاجتماعية. فللفلاحين لهجاتهم المختلفة عن لهجات العمال، على الرغم من أنهم يسكنون منطقة واحدة، وينحدرون من اثنية واحدة، كما أن المرأة وهي تستخدم مفردات نسوية خاصة بها، وتلفظ بطرق أدائية معينة، لها تأثير مباشرفي ترسيخ لهجة ما دون أخرى. والعراق منذ القدم عرف بالتعددية الاثنية والدينية والقومية، وبالتالي بالتعددية اللغوية وبتعددية أوسع في اللهجات الاجتماعية، وسبب قوته أنه لم يعتمد هذه التعددية اللهجوية خلافاً، بل اختلافاً وهو ما يعني إمكانية أن تصبح مادة الخطاب السياسي في مثل هذه المرحلة متضافرة في صوتية متميزة وواضحة ولها طابعها العلمي. فالتعددية في حقيقة أمرها هي الخطاب الذي يتبنى روح الحوارية بين فئات مجتمع واحد.

لن ندخل في تفاصيل اللسانيات، وتعدد الأصوات الباختينية في اللهجة الواحدة، ولا الكيفية التي يستبطن نص الخطاب السياسي والثقافي فيها أصواتا ومواقف لا تسمع ولا تلفظ، ولا الفروق بين اللغة الرسمية واللغة اليومية العادية في أية مخاطبات سياسية، إنما تستحضرني هذه الفكرة المتشعبة والغنية، للكيفية التي تتشكل بها هوية أمة من الأمم، ونحن في مرحلة حروبنا الفاصلة والمفصلية تاريخياً، علينا أن نجعل من التنوع الاثني وتعدد لهجاته ورؤاه الاجتماعية، قوةً وخاصية لتشكيل الهوية العراقية. وبدون هذه اللهجة الاجتماعية والسياسية والثقافية الموحدة، لن يسمع العالم خطابنا، ولن يقتنع بطروحاتنا، ولن يصدق رؤيتنا لما نقوم به، أقول: ان توحيد لهجة الخطاب السياسي والثقافي الآن أحد أهم عوامل الانتصارعلى أعداء جُبلوا على توسيع الهوة بين العراقيين عن طريق اللغة.

والنقطة الأهم التي وددت الإشارة إليها، هي أن الخطاب العراقي الموجه للعالم، عليه أن لايكون ذاتياً، وأن لاينطق بمنطق فئة اجتماعية معينة، وأن لايكون إلا وطنياً، فنجاح أي خطاب هو في احتوائه للأصوات وللرؤى وللهجات الاجتماعية كلها.

برمجة وتصميم المرام