رغبات الشباب

رغبات الشباب

من المشكلات الاجتماعية التي تواجهها الشعوب الحديثة البناء والتحول، مشكلة الشباب، خاصة رغباتهم المكبوتة، التي ثبت علمياً، انه لا يمكن لأي نظام مهما أوتي من قدرات اقناع وتنشيط عمل، أن يلبي حاجات الشباب التي لم تجد لها يوميا نوافذ متجددة كي تعبرعنها. ومن يضع نفسه وصياً على الشباب ويستطيع أن يخضعهم لايديولوجيته، عليه أن ينتبه جيداً إلى أن الشباب فئة اجتماعية قابلة للنمو المضطرد والتغيير، وإنها لا تنمو كي تكبر وتشيخ وتموت، إنما تنمو لتتجدد في الولادات الآتية بعدهم، بمعنى الفئة التي تسير من الأمام إلى الأمام، وكلما تقدمت تغيرت حاجاتها بتغير طبيعة العلاقة مع المجتمع، واتسعت رغباتها كلمّا هبت رياح التجديد، لأنها بنية لا تضمّحل ولا تتقلّص، حضورها في كل بيت ودائرة وشارع ومؤسسة ومدرسة، وهذه حقيقة يجهلها المنظرون الذين يعتمدون آلية ثابتة في التعامل معهم.

 في العالم، خاصة بعد ثورة الشباب في 1968 في أوروبا، لعبت حركتهم السلمية، دوراً نشطاً في تنويع واسع للبيئات المدينية ومنها الأساليب المعمارية، فأسست لهم مجمعات سكنية تنسجم وطاقاتهم، وتوسعت ضواحي المدن لتستوعب أسواقا ودور سينما وملاعب ومراكز ثقافية لاستيعاب أنشطتهم، وصدرت عشرات الصحف اليومية والمناطقية لاستيعاب ثقافتهم ومن ثم تأثيراتهم الإيجابية في حركة الأسواق والتعليم والمتاجر، ثم وهذا الأهم، تنوعت واتسعت الطبقة الوسطى التي لا يمكن لأي مجتمع حديث أن يستغني عن أنشطتها ودورها الاجتماعي والسياسي والثقافي، ثم اثروا في الدرس الجامعي وبدأت تيارات الحداثة تستميلهم لأنهم الطاقة التي لا ينضب وقودها، فسكنوا الضواحي في المدينة الأوروبية، فوجدوا في التنوع الجغرافي مجالاً لأن ينفذوا رغباتهم ومشروعاتهم فيها، وتجد المدن الأوروبية، ونتيجة لما حدث بعد 1968، أنها مهيأة لاستيعاب طموحاتهم فألغت وإلى حد كبير الفروق بين المدينة والضواحي، لتشمل البلاد كلها بمنطق التحديث والاتصال، ولذلك وجد الشباب متنفساً في المكان الريفي لأن يستغلوا زمنهم اليومي بافضل ما يكون لصالح نموهم ثقافياً.

 

أتذكر قصة تولستوي "الحرب والسلام"، عندما أنتجت فيلماً سينمائياً، استدعي آلاف المقاتلين من الجيش السوفيتي ككومبارس في الفيلم، وكان كلهم من الشباب، وووعدوا  بعد الانتهاء من تصوير الفيلم بأن يسرحوا من الجيش، وبالتالي ستحتسب لهم خدمة لأغراض التوظيف، إضافة إلى أنهم سيحصلون على امتيازات في التقديم للعمل والسكن. وبالفعل حقق الشباب جزءاً من رغباتهم المكبوتة. ستنتهي هذه الحرب  اللعينة التي فرضها الإرهاب على شعبنا، وستصبح حكاية من حكايات بغداد لمكافحة كل قوى تعطيل النمو والحداثة، ولن يبقى منها إلا الذكريات المريرة، ولكن قبل أن تصبح حكاية الإرهاب قوة مسلطة على رقاب الشباب ومستقبلهم، علينا أن ننتبه إلى أن الرغبات المكبوتة والمؤجلة عند ملايين الشباب، عندما لا تلبى تصبح قوة مضافة للإرهابيين، وهذا هو خطر الحروب التي لا تدار من اتجاهات متعددة. إن عملية تحديث المجتمع ليست باتجاه واحد دائماً، وسبل الوصول إلى تلبية احتياجات الشباب ليست بطريقة تلقينية، ولن تصبح مثل هذه العلاقة متحققة إلا بوجود مشاريع عملية تصبّ في تثوير طاقاتهم لا في إخماد جذوة اتقادهم، ولا في تقييدهم وتحجيم رغباتهم، أووضع سيوف مسلطة على أفكارهم وثقافتهم. ومن الآن، على المعنيين أن يضعوا الخطط المركزية لاستيعاب الشباب، وتلبية أجزاء مهمة من طموحاتحهم، وفي المقدمة: توفير العمل، توفيرالسكن، وخلق أنشطة استثمار لطاقاتهم، الكشف عن مواهبهم، وإشراكهم في البناء السياسي والثقافي، وطرح خطط تنسجم وتطوير البلاد. وبمثل هذه الخطوات، ضمنّا شبابنا ومستقبل بلادنا.

برمجة وتصميم المرام