ثقافة جماهيرية

ثقافة جماهيرية

لا يعني مفهوم الثقافة فئة محددة بعينها، بل هو ظاهرة مشتركة بين العديد من الحيوات حولنا، ويتداخل في كل التفاصيل التي تتفاعل مع ما نستقبله ونرسله يوميا، ومن هنا فأنه يتكامل وينقص اعتمادا على فعلي الإنتاج والتلقي ومدى ترابطهما أو تخلخل العلاقة بينهما.

الثقافة الجماهيرية التي لا بد لها أن تزدهر، عليها أن لا تنفصل عن أي من الأفعال اليومية التي نمارسها في تعاملاتنا ومشاريعنا وأفكارنا، وهي تنبع من معين متصل غير منفصل عن إدراكنا لأهمية ترصينها في الذات الخاصة، لتأخذ شكل الوعي لفهم التعامل مع الشارع وممتلكاته والسلوك الحضاري الذي تستوجبه الحياة العامة، بما لا يلغي الآخر، ولا يصادر حقه، ولا يتطاول على حريته الشخصية.. تلك الحرية المصانة بالحقوق القانونية والمدنية، التي وضعت لتنظيم الحياة العامة وترتيب مدلولاتها الإيجابية.فهل استطعنا أفرادا ومؤسسات أن نعمل على تركيز وترسيخ ثقافة مجتمعية رصينة تؤمن بحق الآخر وحق المال العام والحفاظ على الوجه الحضاري لبلد بات بحاجة للكثير، للتخلص من الشكل الشائخ الذي يطالعنا في المباني القديمة، وفي التخطيط الحضري والسكاني والبناء العشوائي والإكساء المتردي للطرق والإضاءة القديمة للأمكنة والمحلات والأزقة، وهل اتسعت رؤية المسؤول ليبحث عن الجديد دائما، ويقدمه بإضافة البصمة المحلية ليكتسب قبولا إيجابيا يحقق الفائدة الحقيقية من الفكرة والتطبيق.

نعتقد أننا إزاء مسؤولية ثابتة تتعلق بتعميق الوعي بمبدأ الثقافة الجماهيرية الإيجابية، التي ستعمل على تقليص الفجوات وحرق المراحل الواهية وصولا إلى تحقيق ما يصل بمجتمعنا إلى الأفضل، ولا يمكن لمجتمع عانى الكثير من الويلات والألم والتشرد والتهجير والهجرة، أن يتوافق بنسب مقبولة مع الاحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعه، الذي بات يشعر بالانفصال عنه تدريجيا بعد كل ظرف صعب يمر به، أو أزمة تعصف به، وهذا ما يستوجب أن تكون الجرعات الساندة متهيئة تماما لسد أية ثغرة تظهر بعد أية أزمة يمر بها البلد ومواطنوه، ولا يمكن أن يتحقق هذا من دون منهج علمي يدخل في أدق التفاصيل مكتسبا وعيه الخاص من المجموع العام، ومضيفا في الوقت ذاته وعيا آخر يتكامل إدراكيا واجتماعيا مع مجتمع صعب، مثل مجتمعنا المحلي بكل تنوع أطيافه واثنياته وقومياته وجغرافيته المتباينة.

نحن بحاجة إلى تكامل مشاريع التربية والتعليم مع المشاريع الجماهيرية، وبحاجة إلى تنوع طرق تقديم فكرة التطبيق الثقافي على مختلف أوجه الحياة، في الفنون والآداب والعلوم والتوجيه والإرشاد والتثقيف والتنوع والتطوير والتميز، وهذه ليست مسؤولية رسمية فقط، بل جماهيرية ومنظماتية ومؤسسات خاصة وأفرادا يتمتعون بإدراكهم الكامل لأهمية المرحلة الحرجة التي نمر بها، التي لا يمكن تجاوزها بانتظار العصا السحرية أو نعول على التراكم الزمني متعقدين بأنه كفيل بتغيير المنظومة العامة للعلاقات المجتمعية، التي تحتاج إلى التصويب دائم، خاصة بعد تواتر الظواهر المتداخلة بمسبباتها عليها وافتقار الجانب الآخر المسؤول إلى سرعة التحرك إزاء الظواهر المستجدة.

وهنا تبدو الحاجة إلى انشاء المراكز العلمية والثقافية ملحة، التي عليها أن تخاطب فئة الشباب وتغريهم بالدخول إلى أروقتها، اعتمادا على تنمية القدرات والمهارات الفردية التي ستشكل لاحقا ظاهرة جماعية ترسل مساهمتها في التغيير الثقافي المطلوب، وتحقق في الوقت ذاته تبدلا من مسارات متشابكة إلى أخرى واضحة الرؤى والأسباب، وهو ما يصب في مصلحة المجتمع بصورة عامة ويعطيه أفضلية، توفر الأرضية الصالحة لتواجد الأجيال الواعية التي تقود المجتمع إلى بر الأمان والتميز.

العراق بكل ثرائه المعرفي والحضاري والتاريخي يوفر القاعدة الأساسية للنهوض بالثقافة المجتمعية المطلوبة، التي بها يحمل المجتمع بصمته وهويته الخاصة.

برمجة وتصميم المرام