أكاديميون يتوافدون على المكتبات وأدباء لا يقرؤون .

أكاديميون يتوافدون على المكتبات وأدباء لا يقرؤون .

نقلا عن شبكة الاعلام العراقي  

بين مدينة وأخرى، تتفاوت مستويات القراءة لأسباب عدّة، منها البنية الثقافيّة لأيّة مدينة وانتشار المكتبات من عدمها، وربَّما الأهم من ذلك الوضع الاقتصادي الذي يمكِّن القُرَّاء من اقتناء ما يرغبون به من الكتب. الأمر أيضاً يختلف بين مدينة كبيرة، فيها تنوع وطبقات اجتماعية ومذهبيّات وإثنيات، وبين مدينة صغيرة غالباً ما يتكوَّن سكانها من طبقة واحدة، أو قريبة من بعضها إلى حد عدم وجود اختلاف ملموس.

ربَّما حين تتجول في شوارع وأزقة البصرة تشاهد الكتب في كل مكان، في العشار حيث تنتشر المكتبات، وفي شارع الكويت حيث الكتب التي تفترش الرصيف والبصرة القديمة والجزائر، وهكذا سوف تجد القرّاء يتجولون بين هذه المكتبة وتلك، وبين فرشة كتب وأخرى، ولكل منطقة نوع من الكتب، حيث الأدبيّة والفكريّة في جانب، والدينيّة في جانب آخر، والتجاريّة في مكان مختلف. الأولى في البصرة منذ العام 1928 افتتحت المكتبة الأهلية في منطقة البصرة القديمة، وعلى الرغم من تنقلاتها بين ذاك المحل وهذا، غير أنها لم تبتعد عن مكان تواجدها الأول أكثر من 500 متر شمالاً وجنوباً، فلم يشأ مؤسس المكتبة أن يبتعد كثيراً لمعرفة القرّاء ورواد المكتبة بمكانها. الأهلية التي افتتحت مكتبات البصرة وكانت السوق الأول لها، مرَّ عليها على مدى أكثر من تسعين عاماً قرّاء ورواد لا يمكن إحصاء توجهاتهم وتنوعهم، فلكل مرحلة قراء يبحثون عن كتب معينة، إن كانت دينيّة أو فكريّة أو يساريّة أو وجوديّة أو قوميّة، لكن من الملاحظ أن هناك ثبوتاً لدى بعض الرواد بنوعية الكتب التي يقرؤونها، فالكتاب ليس مثل الجريدة، التي يمكن أن تجد فيها كل ما تريده، لهذا جمهورها الجميع، لكن لكل كتاب جمهوره ومقتنوه، فالأديب يبحث عن الكتب الأدبية بمختلف تخصصاتها، كذلك باحثو التاريخ والعلم وهكذا. هذا ما يؤكده السيد غازي فيصل صاحب المكتبة وابن مؤسسها الأول، مضيفاً أن من خلال تجربته مع القرّاء، لاحظ مؤخراً على بعض الأدباء أنهم لا يستقرون على تخصص ما، في قراءاته وكتاباته أيضاً، "كما أني لاحظت أن بعض القرّاء ليست لديهم ديمومة في القراءة، بل ان هناك لديهم مواسم للقراءة، وهذا ينطبق على الأدباء والمثقفين بالدرجة الأساس، ولا أعني القارئ العام الذي يقرأ موضوعات متنوعة باستمرار. وهناك أدباء يقرؤون لأنفسهم فقط، فحينما يأتي للسؤال عن مجلة أدبيّة يبحث عن مادته إن كانت منشورة أم لا، فإذا لم تنشر يرمي المجلة وكأنها غير ذات قيمة، في حين تراه يشتري نسخاً كثيرة منها إذا كانت مادته منشورة، وهذه مفارقة كبيرة". موجات القراءة يشير فيصل إلى أن القراءة الآن أصبحت مفتوحة أكثر، غير أن التغيير الذي حدث في العام 2003 وما بعدها غيّر من كل شيء، فقد بدأت حشود من القرّاء تبحث عن الكتب الدينيّة، وخصوصاً الكتب الممنوعة، لكن هؤلاء القرّاء شبعوا من هذه الكتب الآن، وبقي الطلب عليها في الفترات الشعائرية. مبيِّناً أن الكتب الأدبيّة والفكريّة كانت وما زالت هي الأكثر رواجاً، خصوصاً لدى الأكاديميين والطلبة والباحثين عموماً. الحلم بدار نشر لم يكن شهاب أحمد، صاحب مكتبة الفكر، ينوي افتتاح مكتبة في بداية الأمر، غير أن حلمه بدار نشر بصريّة بعد العام 2003 وتسلمه وكالة دار الفكر السورية أجبره على افتتاح مكتبته الكائنة في منطقة العشار، لأسباب كثيرة، منها أن كتب دار الفكر لم تستهوِ أغلب القرّاء، وثانياً لأنَّه كان عليه أن يموّل الدار ويسعى لتوسيعها، قائلاً "لم أفكر بإنشاء مكتبة، بل دار نشر بصريّة، فالبصرة في السبعينيات والستينيات كانت فيها مكتبات كثيرة في العشار وشارع الوطن، فضلا عن مكتبة المثنى في شارع الوطني، فكنا نحلم بإنشاء دار نشر" من هم الرواد؟ أحمد أشار إلى أن أغلب رواد المكتبة الآن من الأكاديميين، إن كانوا أساتذة أو طلاباً، كما أن هناك شباباً في الدراسة الإعدادية أو بدايات الجامعة مهتمين بالقراءة لكنَّهم قليلون جداً. وعن الكتب الأكثر مبيعاً، فإن هناك قسمين، بعض الكتب تنفد بسرعة فائقة وفي بعض الأحيان خلال يوم واحد، وهي التي تؤلفها أسماء معروفة أو ذات عناوين مهمة على المستوى الأكاديمي والثقافي، وفي بعض الأحيان هناك عناوين مهمّة لكن لا يلتفت إليها القرَّاء فتبقى لمدة طويلة، ليست هناك معايير محددة في الإقبال على هذا الكتاب أو ذاك. كما أن هناك تخصصات محددة نعرف روادها نجلب منها عددا محددا حسب رواد المكتبة المعروفين لدينا. في حين نجد أن مبيعات الكتب التراثية تبقى مستمرة وفي أي وقت، يشتريها القرّاء والباحثون والأكاديميون من دون أن يكون هناك توجه معين، على سبيل المثال كتاب الأغاني، وتاريخ الطبري، وكتب الجاحظ وغيرها الكثير.

 

المكتبة العلمية من الغريب في الأمر أن الكثير من القرّاء يشترون الكتب لكنَّهم لا يقرؤونها، حسب ما يقول الكُتُبِي حسين يوسف؛ صاحب المكتبة العلميَّة، "الحياة أخذت الكثير من وقت القرَّاء، إلى درجة أن أغلب الرواد الذين أعرفهم يشترون الكتب لكنَّهم لا يقرؤونها، يعاني من مشكلة الوقت أولاً، والحياة التي تضغط عليه من جوانب عدَّة ثانياً، وربَّما يشتري الكتاب محبَّة به، وينتظر الوقت المناسب للاشتغال عليه في بحث أو دراسة ما". أما عن طبيعة رواد المكتبة فهم من الطبقات الفكريَّة جميعاً تقريباً، من طالب علم أو مفكِّر أو أديب، لكن "بسبب طبيعة مكتبتي الأكاديمية، فإن أكثر روادها هم من طلبة الجامعات وخصوصاً الدراسات العليا، علماً أن نسبة القرّاء لا يتجاوز الـ 20 بالمئة كباحثين عن الثقافة العامة، لكن تتجاوز نسبة الـ80% من الأكاديميين وطلبة الجامعة. ما ألحظه أن المكتبة تحوَّلت إلى ما يشبه الصيدليّة، فترى القارئ يجبر أن يشتري كتاباً لأنّه بحاجة له في الجامعة، مثلما المريض حينما يجبر على شراء دواء ما".

برمجة وتصميم المرام