الدراسات النسوية في الثقافة العراقية المعاصرة

الدراسات النسوية في الثقافة العراقية المعاصرة

متابعات - ديوان محافظة البصرة 

يمكننا إختصار العنوان الطويل لهذا البحث الى الدراسات النسوية في الثقافة العراقية المعاصرة! كما يراه البعض لكنه برأيي لن يحقق ما ابتغيه من مطلب، فليس القول إن هناك إشكاليات في وجود الدراسات النسوية في ثقافتنا العراقية المعاصرة من عدمها فحسب، إنما ان وجدت كيف تنظر فئات المثقفين على مختلف اتجاهاتهم لتلك الدراسات، بجدية ام بسخرية، بمسؤولية ام بعدم اكتراث الخ من هنا يجب ان نعرف ما الثقافة؟ وما شكل الثقافة او الثقافات العراقية المعاصرة ؟! ونوع الدراسات النسوية التي تعترف بها تلك الفئات اصلا! ثم اخيرا الربط بين كل هذه المسائل في بحث موجز كالعادة 
ما الثقافة؟ يقدم المنظر الماركسي البريطاني الاستاذ المتميز للأدب الانكليزي في جامعة لانكاستر تيري ايغلتن في كتابه المثير ( الثقافة ) (1) تعريف للثقافة في مقدمة الكتاب الثقافة مفهوم متعدد الاوجه الامر الذي يفاقم صعوبة اعتماد مفهوم موحد بالغ التحديد و الصرامة بشأن الثقافة ، و يضيف له في الفصل الاول ( الثقافة و الحضارة )(2) الثقافة مفردة معقدة على نحو استثنائي، فقد شاع إدعاء بأنها المفردة الثانية او الثالثة في ترتيب الكلمات الاكثر تعقيدا في اللغة الانكليزية ، و هذا في الحقيقة ليس تعريفا بالضبط، إنما هو وصف لمفهوم هلامي فضفاض يتقبل كل التعاريف لكل الاشياء المتعلقة بالإنسان و نشاطاته، اي ان الثقافة واحدة من اكثر المفردات إشكالية على صعيد المفهوم والتعليقات ، كما ظلت الدراسات الثقافية التي تعد حقلا معرفيا تتداخل فيه الانثربولوجيا و السوسيولوجيا وتاريخ الأفكار واللغويات والفلكلور والسياسات الحكومية المؤسساتية ميدان تجاذب فيه (3) لهذا تأتي صعوبة المفهوم في إنه تداخل في كل نشاط يخصنا نحن البشر، فإذا قلنا الثقافة العراقية إنما نعني كل ما يمت لهذا المكان الجغرافي المحدد على الارض بصلة، و لعل الدراسات الثقافية التي عالجت الثقافة العراقية في راهنها الجالي لم تصل الى حدود الإقناع ، لأنها محكومة بنظرة البحث ومنهجه وتوجهاته، على سبيل المثال كتابات علي الوردي في القرن العشرين، و فالح عبد الجبار الخ لنصل لجهد الكاتبين محمد غازي الاخرس في كتابه( السيرة و العنف الثقافي) (4) و فلاح رحيم في كتابه (ازمة التنوير العراقي) 5) اللذين تحدثا في الثقافة من منظورها الادبي والمعرفي، وقد خلا الكتابان من الإشارة الى النسويات، سوى كتاب الأخرس (عن نازك الملائكة، بيد ان الاحاطة بمفهوم الثقافة بما تعني في العلاقة بينها و بين مفهوم ( العراقية) يحتاج الى دراسة متشعبة، فليست الثقافة العراقية بمفهومها الجامع عاد ممكنا، لوجود اضراب مختلفة من الثقافات العراقية التي راحت ترسخ لها قاعدة انطلاق بمفردها على حساب الثقافة الام، لهذا من الصعوبة الجزم بوجود ثقافة عراقية إلا في تعدد الهويات القومية والعرقية والطائفية و الاثنية، بمعنى لم تعد الثقافة العراقية إلا عنوانا عريضا لعشرات الثقافات، وهي حالة اوجدها الاستعمار حينما نظر الى ان تفتيت المركزيات يولد ثقافات الهوامش وهي ضعيفة يمكن اصطيادها و السيطرة عليها ، لكنه لم يحسب لما سيؤول اليه الوضع في ردتها فيما بعد الاستعمار على المكونات الثقافية، بإنتاجها حالة من الفوضى اثرت على العالم بأجمعه، لأن الثقافة تعني اولا تراكما من العمل الفني و الذهني وثانيا الصيرورة التي يحصل بها الارتقاء الروحاني والذهني وثالثا القيم والعادات والمعتقدات والممارسات الرمزية التي يوظفها الرجال والنساء في الحياة ورابعا الطرية الكلية المعتمدة في الحياة بتعبير تيري إيغلتن التي تشكل الثقافة، فهي ليست نظرية تفسيرية، بل هي تنتج معرفة بيد الرجال و النساء مجتمعين فاعلين، هذا الرهط الذي يطلق عليه احيانا بالنخبة، اي الصفوة التي تمتلك الاستعداد النفسي و الاخلاقي و الروحي في إيصال الثقافة.

هوية
المرأة العراقية في ظل ثقافات التكتل
ما هي النخبة العراقية المؤهلة في توطين الثقافة العراقية و تثبيت ملامحها بعد حقبة ما بعد الاستعمار، و تمكين المرأة العراقية في الوصول الى هويتها في ظل تلك الثقافات ما بعد الكولونيالية، أولا لا توجد معالم للنخبة العراقية بالمعنى الاصطلاحي، إنما هو تكتل وظيفي لأشخاص اتفق على تسميته نخبة في مجتمع مفتت (بعد 2003) ثانيا هذه النخب تعتمد على نظام ابوي ذي صبغة ذكورية لا يهتم بالدراسات النسوية كما تذهب الى ذلك زهراء علي الباحثة الاكاديمية العراقية في كتابها ( المرأة و الجندر في العراق بين بناء الامة و التفتت ) الصادر عن دار جامعة كامبرج نهاية عام 3018 الذي تناولت التاريخ الاجتماعي للحركات النسوية والنسويات في العراق، وثالثا يمكن النظر الى اهتمامات تلك النخب في (4) اماكن، في المؤسسة الحكومية، السلطات الثلاث وترسيمة الدولة و مؤسساتها الرسمية حيث ان التصورات الرمزية لثقافة الدولة تقوم على تغييب ممنهج للدراسات النسوية، لأن الدولة الابوية لا تنظر الى المرأة إلا وفق ذكوريتها، في التسلسل الابوي الذكوري الذي لا يعطي للمرأة أي سلطة قرار ولو كان تنفيذيا إلا في حدود ( الكوتا) وتتعامل مع المرأة رسميا عن طريق علاقتها بالدستور الذي لم يفهم إن الاعتماد على بناء مؤسسة للدراسات النسوية تعتبر من ميزات الانظمة المعاصرة، في متاهات الدولة المرأة رقم و حالة سواء أكانت مطلقة ارملة امرأة شهيد الخ، النخب السياسية لا تفهم الحالات المرتبطة بإنسانية المرأة، و غياب الدراسات النسوية يعم باقي النخب الدينية والجامعية والثقافية، في وطن كالعراق المفتت المرأة اول الخاسرين، فإذا ما كانت الدولة عاجزة عن إعطائها حقوقها وإبراز هويتها، ففي الحوزات والمعاهد الدينية تلتف بالسواد وتوضع بالخدور في ثقافة الحريم حيث الدين يشدد عليها بالنظام البطريركي، وكانت الجامعات هي الصرح الذي نتوقعه يعتني بالمرأة، ويؤسس لها الدراسات النسوية، لكننا نتفاجأ بغياب تلك الدراسات، و اللهاث خلف الصيحة المزيفة في الاهتمام بالنسويات في الدراسات العليا، وتظل نخبة الادباء والمثقفين تؤكد على هشاشة ثقافتنا وتدني وعي المثقفين في فهم اهمية الدراسات النسوية، لأنهم اتخذوا النسوية تقليعة حداثية يتباهون بدراستها بما يمكن ان نطلق عليها ( المثاقفة) بينما المفترض قيام تلك النخب بإيجاد مؤسسات تؤهل النساء ليكن فاعلات في ثقافة متعددة فاعلة، إن السبب في إهمال تأسيس دراسات نسوية يمثل تفاقم النظام البطريركي في المجتمعات العراقية المتباينة، و استقرار النظرة الدونية للمرأة، وإلقائها نحو دستوبيا الثقافة الشعبية 
المرأة والثقافة الشعبية في العراق يشكلان دستوبيا حيث تنعدم التخصصات التي تنتشل المرأة من قمع مضاعف، القمع الانثوي الذي تسلطه الفنون والعادات والممارسات غير اللائقة في إنشاء النساء السويات، حيث ينشأن في مجتمع انتاجي قامع لهن من قبل العرف الذي نقوده اكراهات النساء المسترجلات ( الجدات و الامهات المسنات) التي تستوطن في ثقافة شعبية قوامها الذكورة، وحركتها الاخصاء الانثوي، وهذه الثقافة الفاسدة هي اخطر مؤسسة لا نتاج القمع الانثوي، فلا بد من إنشاء دراسات نسوية تخصصية تنتشل النساء من وهدة الاستعباد.

برمجة وتصميم المرام