مسرحيةُ «ثلاث حكايا»: طَوق الفقر المُحكم على الأعناق

مسرحيةُ «ثلاث حكايا»: طَوق الفقر المُحكم على الأعناق

متابعات - ديوان محافظة البصرة 

يبقى سؤالُ جمهورِ الشارع وكيفية الوصول إليه الهمّ الشاغل لكثيرٍ من المسرحيين، فهل مفردة شارع تعني الوصول إلى أكبر عدد من المتفرجين، بصرف النظر عن مستوى العرض؟ إذاً نفترض أن الشارع يحتاج فناً خاصاً أو أن هناك حقاً مشكلة تدعى النخبة والتي تعجز عن الوصول إلى الجمهور، هكذا يغدو مفهوم المسرح الشعبي أكثر تعقيداً وإرباكاً في التلقي. من هذه العتبة يقدّم أيمن زيدان مسرحيته الجديدة «ثلاث حكايا» والتي عُرِضَت على مسرح الحمراء بدمشق أخيراً. أعلن الممثلون منذ البداية أنهم ممثلون جوّالون يودون تمثيل حكاياتهم وحسب، وأنهم أحضروا الشارع إلى المسرح. بهذه العبارة افتتح المخرج السوري عرضه المقتبس عن مسرحية للأرجنتيني أوزوالدو دراكون، إعداد زيدان ومحمود الجعفوري، تمثيل حازم زيدان، خوشناف ظاظا، قصي قدسيه، لمى بدور ومازن عباس.

تمثال العامل المناضل
ثلاث حكايات مختلفة لثلاثة رجال يجمعهم الفقر، وأطفال يحتاجون الطعام، وامرأة مهمتها تذكير زوجها بالبؤس والحاجة الدائمة إلى المال. في الحكاية الأولى يبيع الموظف الحكومي الشوكولا والسكاكر في صندوق يحمله في عنقه لكنه يعاني ألماً رهيباً في أسنانه يمنعه من العمل ثم يُعرض عليه أن يصبح موديلاً لتمثال العامل المناضل لكن البطل يموت تحت وطأةِ ألمٍ لا يحتمل. في الحكاية الثانية يضطر بطلها تحت ضغط الفاقة ومحاولة الحفاظ على راتبه إلى الدخول في صفقة مشبوهة لتصدير لحم الجرذان إلى جنوب أفريقيا لكن هذه الصفقة تتسبب في انتشار الطاعون والتي يتحمل ذنبها بعد تخلي رؤسائه عنه لينتهي بشنق نفسه، أما الحكاية
«قدّم أيمن زيدان مسرحيته الجديدة «ثلاث حكايا» على مسرح الحمراء بدمشق. وأعلن الممثلون منذ البداية أنهم ممثلون جوّالون يودون تمثيل حكاياتهم وحسب، وأنهم أحضروا الشارع إلى المسرح»
الثالثة والتي كانت ذات الوقع الأقوى بالكوميديا السوداء فتحكي عن رجل يبحث عن فرصة عمل ليجد فرصته كمساعد حارس والشيء الوحيد المطلوب منه أن يكون أرجنتينياً، لكننا سندرك أن مكتبه هو منزل كلب ومن ثم اللباس الموحد هو طوقٌ في عنقه ليرضخ شيئاً فشيئاً لمتطلبات العمل تحت ضغط الزوجة مجدداً حتى يصل إلى مرحلة العواء والمشي على أربع.

غياب المرأة العاملة
الحكايات الثلاث تنطوي على إيقاع سريع يؤطره قالب سردي متشابه إلى حد ما، بداية سعيدة للزواج، ومن ثم إنجاب الأطفال والدخول في العوز لننتقل إلى إلحاح الزوجات لإيجاد العمل والبؤس الذي يعيشه الرجال ثم الحصول على الفرصة والتي تنتهي بمأساة، شخوص بائسة لا تدري عن الرأسمالية شيئاً ولا عن الأزمات الاقتصادية فهي مغيبة داخل حيواتها المفروضة عليها والمرسومة لها، منسجمة مع طبيعة البلاد التي وإن كانت تدور أحداثها في إيطاليا أو الأرجنتين فهي تنتهي بمأساة سورية بامتياز، مأساة كانت خاصة بالرجال وبحثهم عن العمل فيما اكتفت النساء بزيادة العبء عليهم وهنا لنا أن نسأل عن دور المرأة في المأساة السورية ولمَ لم تقدم الحكايات الثلاث قصة لامرأة تحاول إيجاد فرصة عمل واحدة حيث لا يمكن تجاهل ما أفرزته الحرب من أعباء جديدة تحملتها النساء بغياب رجالهن!

عبودية الفقر
لعب الممثلون أدوارهم بوجوه مهرجين بائسة، وجوهٌ متشابهة وغارقة في الألم، لتدخل بعض الأقنعة لتبديل الطبقات الاجتماعية فالمدراء ورؤساء الشركات يملكون وجوهاً رصينة وقاسية، وبالانتقال إلى الملابس فهي لم تكن ثياب مهرجين ذات ألوان صارخة وحسب بل كانت تلك الثياب المركبة بطريقة عشوائية غير متناسقة، فثياب الفقراء هي من تميزهم وألوانها الجميلة ليست سوى دليل على صعوبة الحصول عليها وارتداء ما يتيسر لهم.
«في المسرحية شخوص بائسة لا تدري عن الرأسمالية شيئاً، ولا عن الأزمات الاقتصادية، فهي مغيبة داخل حيواتها المفروضة عليها والمرسومة لها، منسجمة مع طبيعة البلاد التي وإن كانت تدور أحداثها في إيطاليا، أو الأرجنتين، فهي تنتهي بمأساة سورية بامتياز»
«ثلاث حكايا» هي مقاربة لحياة فقراء العالم عموماً وسورية بشكل خاص، الفقراء الذين يرزحون تحت ثقل العوز والجهل والمصائر المرتبط بالأوطان، حيث لا مكان لهم فيضيق العيش وسبله حتى يتحولوا إلى نماذج أخرى بلا أحلام وتطلعات، مجرد أجساد أنهكها البحث عن لقمة العيش حتى نسيت إنسانيتها ليعود الممثلون في النهاية وبعد انتهاء حكاياتهم إلى عربتهم المتنقلة مغنين وسط أصوات القصف.
*ضفة ثانية

برمجة وتصميم المرام