النساء وأزمة ميديا (2) في الرواية النسوية العراقية

النساء وأزمة ميديا (2) في الرواية النسوية العراقية

متابعات - ديوان محافظة البصرة 

الاختلاف في السرد النسوي امر تحتمه الثيمات التي تشتغل عليها الروائية في محاولة تبني ادب مختلف للمرأة ، لأننا لا ندرس إلا تلك الثيمات التي تواترت بشكل ملفت للنظر عند كاتبات عربيات و عراقيات اطلق عليها جيرار جنيت بالتواتر السردي (3) بسبب ان تلك الثيمات انتجت تشابها في الاحداث التي اشتركت بها الروائيات العراقيات خاصة في التيارات التي اعقبت 2003 و من اهمها ، أحداث الخيانة على سبيل المثال و اختزال المرأة في الجسد و تنكر الآخر – الرجل التي عالجتها الرواية النسوية العراقية(4) و كانت الروائية حنان المسعودي إحدى الروائيات العراقيات ( 5) التي اصدرت رواية ( خمس نساء) عام 2014 تحمل بصمة معالجة تلك الاحداث الجديدة في الرواية النسوية العراقية ، و تدفقت بغزارة بعد الفوضى ( الخلاقة ) و من الجدير بالذكر في قضية علاقة الكاتبات بالجسد و الكتابة الإيروتيكية ، فقد وردت اراء نقدية تغطي الرواية النسوية العربية كلها، وصفتها بأنها من اهم قضايا الكتابة النسوية (6) لكن الروائية حنان المسعودي لم توظف تلك العلاقة بالاتجاه المباشر ، إنما اتخذت الحواف المجاورة للاغراء الإيروتيكي ، كانت الثيمات التي تمس علائق النساء العراقيات بالرجال في فضاء الجسد و رهانات الكتابة حوله هي القيمة الضابطة في هذه الرواية ، لهذا فقد عزا د – نجم عبد الله كاظم و هو يسجل نقطة انتقال الرواية النسوية العراقية من الحضور الى الظاهرة الى كثافة الممارسة في الكتابة السردية النسوية و تخطي حاجز الكمون الى فضاء التجريب من خلال المشاركة الفاعلة في الرواية (7) باختلاف الكتابة عن الرجل ، فقد عكفت الرواية النسوية العراقية على إثارة سؤال الهوية وسعت الى الاجابة عليه عبر رصد افكار الذات و افعالها (8) في الكثير من الروايات النسوية ، في رواية ( خمس نساء)نجد سعي الكاتبة الى طرح هذا السؤال في معالجة علاقة المرأة بالرجل في النقاط التي ذكرناها سابقا في إشتغال سردي خطي متواتر ، اعتمدت على الرؤية النسقية للنساء وفق تلازم الفعل و رد الفعل ، في محاولة للتأكيد على ان الخيانات يمكن تبادلها بين النساء و الرجال ، بالرغم ان الكاتبة حنان المسعودي هنا ، ظلت مهيمنة على المشاهد تحركها كحكايات في الخطاب السردي الذي وجهته بعناية شهرزادية ، الإنتقال السلس بين نسائها الخمس ( هديل الطبيبة – سحر المهندسة – رنين الرسامة – منال سيدة اعمال – زينب ربة منزل ) و هي تتناول شخصياتهن المأزومة بأزمة ميديا (9) التنقيب عن خباياهن في ذواتهن المستقلة المعزولة عن بعضهن إلا في اللقاءات الجماعية حيث يكون الاعتراف و فضح السرائر سمة المكان ( مطعم الساعة) و رهن الزمان ، هناك جنوسة نسقية إذ تحاول الكاتبة إظهار المعرفة و الإحاطة بكل تفاصيل النساء الخمس ـ فهي المرأة الفاعلة ، المؤلفة و المطلعة ، و هي الراوية المحايدة ، و هي الشخصيات المنفعلة ، من ناحية ما تريد قوله في استعراض مسارات حياتهن العائلية ، النساء اللاتي يضعن الخيانة بكل انواعها على طاولة القراء ، الخيانة التي تعرضت لها الطبيبة هديل من زوجها الاول و النكران لهويتها من الطبيب اشرف و التخوين الذي سددته لزوجها الحالي الطبيب وائل ، ثم استعادت هويتها عبر الصدمة التي اشارت لها الكاتبة في العتبة، حيث استفاقت هديل على ان الخيانة قد قام بها الرجل ( زوجها السابق) ص 157 قالت له حينما سألها ان يعودا الى عش الزوجية و يضما ابنتيهما : كان عليك التفكير فيهما قبل الشروع بخيانتي و اتهمت منال زوجها سعد عندما صدمته مدام مريم و كشفت نزقه و عاطفيته و تسليته بها لحرمانه من حب منال سيدة الاعمال المنشغلة عنه اتهمته بالخيانة الصريحة ص 147( مبرر معقول – – احسنت انك تفلسف الخيانة الآن و تضع نفسك في موضع الضحية، منال لم تكن خيانة كان مجرد اعجاب – – – هذا الاعجاب ، و ثانيا قد يصل هذه المرة الى الخيانة، و معنى هذه الكلمة ( الخيانة ) تنتشر في فضاء مأزوم بالانفجارات و مدينة ( بغداد) تنهشها الحرب و هي اكبر الخيانات و افدحها ثمناً ، لكن الكاتبة تصر على إيقاع نسائها في تجارب الخيانات ، سحر عجوز متصابية و شاب مراهق رنين رسامة حالمة و اياد زوج مشغول و صديق عاشق نبيل الخ النساء الخمس اللاتي يجتمعن في تكرار خطي يعترفن لبعضهن بكل دواخلهن من علاقات و ردود افعالهن مع ازواجهن و عشاقهن ، إضافة الى الاتصالات اليومية التي توضح ان الخمس نساء هن الوجوه المصابة بالهيوماباتية التي ترسمه امرأة واحدة امام رجل واحد، اي ثمة علاقة ثنائية او المثنوية و العلاقة الثنائية هي صفات جوهرية للنظام الخيالي العلاقة الثنائية البراديجيماتية هي علاقة الانا بالصورة المرآوية و التي يحللها لاكان في مفهومه لمرحلة المرآة تتسم العلاقة الثنائية دائما بخدعة التشابه و التناظر و التبادلية (10) و الكاتبة تدرك المصائر التي ستنتهي اليها النساء ، العلاقة الثنائية التي درسها جاك لاكان و اثبت ان النظام الخيالي يفضح العلائق التي تنسجها المرأة في مرآة ازماتها مع الرجل الذي تحكمه عقدة ما قبل اوديبية التي تحدد العلاقة بين الام و طفلها ، لهذا نتوقع فشل العلاقات التي تبنيها الكاتبة للنساء ، و موت إحداهن بورم دماغي ( رنين ) و انقلاب الاخرى من النقيض الى النقيض ( زينب ) التي تستهجن سلوكيات الصديقات و تحررهن من التقاليد الإسلامية التي ورثتها و غذاها فيها زوجها رياض مع ان تلك الصديقات كن صديقات طفولة ، لكن الشجار بين منال المسيحية و زينب المسلمة ابان البنية الثقافية للنساء ، الخواء الثقافي الذي ارتكزت عليه علاقاتهن التي طالما نقدتها الكاتبة في تدخلاتها البسيطة باعتبارها المتحكمة بالمسار السردي للثيمة التي نجحت حنان المسعودي في عرضها ، و الوصول الى حقيقة الهوية الانثوية.

برمجة وتصميم المرام