الرواية النسوية العراقية والدرس الأكاديمي

الرواية النسوية العراقية والدرس الأكاديمي

متابعات - ديوان محافظة البصرة 

من المؤشرات الملفتة للنظر التي كشفتها الموجة النسوية الثانية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين أثناء التحولات البنيوية الثقافية التي صاحبت الحركة النسوية الثقافية تقاطر العشرات من الناقدات النسويات الأكاديميات والباحثات في المنهج الثقافي العلوم الإنسانية كالفلسفة وعلم النفس واللغة والادب وشواغلهما والعلوم الاخرى الانثربولوجيا و السوسيولوجيا و غيرها في الانتماء الى النسوية الثقافية، ووجدن ان الطريق الى الدراسات النسوية لا بد ان يمر عبر الدرس الأكاديمي والبحثي، بعد ان شهدت الموجة النسوية الاولى في القرن التاسع عشر ومنتصف الاول من القرن العشرين في العالم الغربي اهتمام المحافل والمنظمات الدولية والوطنية والمجتمعية والحزبية والشعبية بالحركة النسوية كونها نشاطا حركيا تطغي عليه سمة الصراع الاجتماعي السياسي والحقوقي، و إن كان ميل الأكاديميات الى المجال النقدي في النسوية ، باعتبار النسوية نظرية او نظريات تهتم بقضايا المرأة ، و يطالب النقد النسائي بإنصاف المرأة وجعلها على وعي بحيل الكاتب الرجل خاصة، فيما يتعلق بالموروث الثقافي الادبي (1) والانخراط الكثيف للناقدات اللواتي اتخذن من الجامعات و مراكز البحوث مكانا يدرسن فيه الجوانب المختلفة من لنظرية النسوية انطلاقاً من المناهج التي تنتمي للعلوم المختصة بها ، و انتبه الإعلام لجهود اولئك الاكاديميات في طرح وجهة نظرهن في قضايا المرأة.صورا مختلفة من النسوية في المستقبل

في نهاية القرن العشرين فسح المجال لجيرمين جرير وجولي بيرتشل اللتين ناقشتا في برنامج ( ساعة للمرأة ) في اذاعة: بي بي سي الرابعة ( في فبراير 1999) الاختلافات التي ينتظر ان تشكل صورا مختلفة من النسوية في المستقبل (2) و اعتقد انهما كانتا ناقدتين أكاديميتين، لأن الدرس الاكاديمي فيه شروط لا توفرها جهات تعليمية او إعلامية او حقوقية بالدقة العلمية التي ترغب النسويات ان يجدنها في الدرس الاكاديمي، الذي لا يعني بالضرورة ان يتم في الجامعات حتما و ان يقوم به الاستاذ ما لم يكن ملما بأصول البحث النسوي ( الاثنوغرافيا النسوية ) لأن الناقدات الاكاديميات يشعرن بنوع من القلق في توصيل المادة التي تشرح القضية النسوية، في العالم الغربي الآن، خاصة في بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة الامريكية تنتشر الناقدات الاكاديميات على رقعة واسعة من الجامعات و معاهد البحوث، و إذا ما وسعنا من دائرتهن نصل الى افق لانهائي من المعنيات بالنسويات من اليابان فالصين و الى الهند الخ يتوزعن بين مجالات العلوم الإنسانية المختلفة من الأدب و اللغة وعلم النفس و الطب والانثربولوجيا ، لكن الجامعات والمعاهد البحثية والاتحاد العام للأدباء في العراق تفتقد ذلك الدرس الاكاديمي في النسوية وعلاقتها بالعلوم المجاورة التي تعتمد في ركن من اركان البحث فيها للمساهمة النسوية، و إذا نظرنا الى الدراسات النسوية في الجهات المختصة في العراق نجد غياب الاستقلالية، واقتصار الدراسات النسوية على مجال او مجالين هما الادب و اللغة، و العلوم السياسية والقانونية على حد علمي، و لهذه الإشكالية في تعثر الدراسات النسوية اسبابها المجتمعية الصرفة التي تضيق على الاشتغال في علم يخص جهة مازالت تعاني التغييب ، لهذا سأركز على الدراسات الاكاديمية التي اتجه اليها المعنيون بعلم اللغة (من اللسانيات والتداولية و الحجاج ) و الادب في علمه و نقده و الدراسات الإجناسية في الشعر و القصة و الرواية الخ، و تأتي الدراسات النسوية المتعلقة بالسرديات كواجهة للمثاقفة بين الاكاديميات اللاتي نشأن ناقدات للنص السردي ( الروائي خاصة ) اولا و تفوقن في ذلك، و اكملن الدرس الاكاديمي و اكدن عليه في مضمار المنافحة بينهن و بين الرجال النقاد، و هنا اتناول هنا لضيق الوقت اكاديمية في كتاب صدر لها في الرواية النسوية العراقية، رصدت فيه الروائيات العراقيات من بواكير نشأتها في الخمسينات من القرن المنصرم، و كان هذا الكتاب جهدا مميزا في الدرس الاكاديمي الذي اعتبر إن معالم الرواية النسوية العراقية لا يمكنها ان تتعدى المعاينة الاكاديمية كي لا يساء فهمها، خاصة ونحن نعيش عصر الدراسات النسوية، وبدا ان السمعة السيئة والتشويه و التشويش يتراخى في اعطاف الثقافة العراقية الذكورية من قبل نقاد استحلبوا المغامرة في جو الالتباس الذي تدفعه الإغراءات في الكتابة النسوية غير الاكاديمية ، فعلا طنين المناوئين للدرس النسوي النقدي الاكاديمي.

قراءة الرواية النسوية العراقية 
كتاب ( تجلياتهن) (3) الذي اصدرته د – لقاء موسى الساعدي هو خطوة في الاتجاه الصحيح ، خاصة لو قرأنا العنوان الثانوي (ببلوغرافيا) الكتاب فتح بابا جامعا في كيفية قراءة الرواية النسوية العراقية كما تريده النظرية النسوية من حيث ليس من قبيل المبالغة القول بان النسوية تعد من اكثر الحركات إثارة للجدل في القرن العشرين (4) د- لقاء موسى ذكرت في مقدمة الكتاب ان الدافع وراء اصدار هذا الكتاب ما يروي لنا التاريخ الكثير من القصص التي يكون محورها معاقبة النساء بجريرة احداهن و فرض عقوبة فادحة على الكل بجرم الفرد ، وهي بداية بقدر ما تحمل من مخاوف تعيشها النساء في عالم كله ذكوري بقدر ما تؤشر الى ضرورة النظر الى قضية المرأة من خلال القضية ذاتها بشروطها، اي ان لا تصبح المرأة موضوعا في رؤية ناقدة كما نجدها في اطاريح الدراسات العليا التي تتخذ من النسوية علاقة ربط ثقافي بين المرأة و قضاياها و إشكالاتها ، أو عند بعض الناقدات اللواتي يراعين اصول البحث العلمي في دراساتهن الجادة ، لكن دون إخضاع نقدهن لمعاينة اكاديمية ، لأن اولئك الناقدات الى لا يتوخين سوى الاهتمام النص النقدي ، بينما تطرح الساعدي في هذا الكتاب اهم نقطة في الدرس الاكاديمي ألا وهو ما قدمته من إحصاء متفرد للنتاج الروائي النسوي العراقي بهدف تعريف القارئ والباحث بالمنجز الكمي للكاتبات العراقيات و التعريف بهن، و لا سيما مع تزايد عدد الروائيات خلال السنوات الاخيرة (5) لهذا سهلت للباحثين عناء البحث عن اهم شيء في الدرس الاكاديمي هو الببلوغرافياالتي تقدم ثبتاً بالكاتبات النسويات ونتاجاتهن (6) و تعترف الباحثة بفضل الدراسات السابقة التي سبقت هذا العمل وكان له اثر فيه (7) و لا يعني التحدث عن هذا الكتاب بهذه العجالة التي لم توف حقه، طعنا بكتابات الاخريات من الاكاديميات وحتى الاكاديميين، إنما ما أردت إيضاحه في عرض سريع للكتاب هو تشخيص ظاهرة ركوب موجة الكتابة النسوية دون مراعاة ان النقد النسوي يجب ان يكون منضبطا في استظهار ركائزه وخصائصه و لا يجب اللعب مع النسوية باعتبارها نزوة او فورة ومثاقفة، و من اجل ان نضع الرواية النسوية العراقية على سكة مأمونة لنراع قيمة الدرس الاكاديمي الذي يقتضي فهم الكاتبة الروائية و احتياجاتها، و كيف تميز بين هويتها ورؤى الآخر، الدرس الاكاديمي يوفر للرواية النسوية العراقية اختصار المسافة الي تفصلها عن الرواية النسوية العربية التي سبقتها بكثير.

برمجة وتصميم المرام